الموقع:
السافرية من أكبر القرى المهجرة في قضاء يافا، تقع في الجنوب الشرقي لمدينة يافا على بعد نحو 11 كيلومتر منها. في قلب السهل الساحلي بين المثلث يافا واللد والرملة، على ارتفاع نحو 40 مترًا عن سطح البحر. وهي على جانبي سكة الحديد الموصلة بين اللد ويافا. على مسافة كيلو ونصف من شارع يافا - القدس. من القرى المجاورة لها قرية بيت دجن في الغرب، وصرفند العمار في الجنوب، واللد في الشرق، وساقية ويازور وسلمة في الشمال الغربي وعانة والعباسية في شمالها الشرقي.
التسمية:
السافرية بلدة قديمة كما تدل على ذلك الآثار الموجودة فيها . يقول مصطفى الدباغ إن كلمة سفرايا بالسريانية تعني الصباح والإشراق. لذا ثمة من أطلق على البلدة مجازًا اسم نجمة الصباح. وسافرة أمّة من الروم كأنهم لبعدهم وتوغلهم في المغر . والسافر الكاتب. في العهد البيزنطي كانت تسمى Sapharea وفي العهد الصليبي Sapheria.1
السافرية مركز العلماء
كانت البلدة مسكونة في العهد الروماني، وتابعة لمقاطعة اللد. فلما فتحها العرب سكنوا فيها. في عهد الخليفة الأموي عمر بن عبد العزيز توفي فيها الفقيه والمحدث هانئ بن كلثوم بن عبد الله بن شريك بن صمصم الكندي، ويقال الكناني الفلسطيني. يروى أنه عرضت علية إمرة فلسطين بعربها وعجمها، فامتنع لورعه فلا عجب أن لقب بالعابد الزاهد.2 وينسب إلى السافرية أبو الحسن حميد بن عياش السافري وهو من أصحاب الحديث في القرن الثالث الهجري وقد وصف بأنه صدوق.3
السكان والعائلات
في عام 1596 كان في السافرية 53 من دافعي الضرائب، لذا يقدر عدد سكان القرية بـ265 نفرًا. كانت نسبة الضريبة ثلث المحصول، وبلغ مجموع الضريبة 18800 آقجه. فُرضت الضريبة على محاصيل القمح والشعير والسمسم والفواكه والماعز وخلايا النحل. كانت البلدة آنذاك كلها تابعة للوقف، وتابعة لناحية الرملة من لواء غزة.4
في عام 1863 زار الرحالة الفرنسي، فيكتور جيرين، السافرية، فذكر أن عدد سكانها بلغ 450 نسمة، وأن المسجد في وسط القرية تظلله شجرة تين كبيرة. 5
كان في السافرية في عام 1922، 1306 نفوس، ارتفعوا إلى 2040 في عام 1931 منهم 1011 من الذكور و1029 من الإناث.سكنها مسلمون ولهم 489 بيتًا. في عام 1938 بلغ عددهم 2373 شخصًا وفي سنة 1945 قدروا بـ3070 مسلمًا. في عام 1948 قدر سلمان أبو ستة عددهم بـ3561 نسمة.6
يقول المؤرخ حسن محمد عوض إن جميع سكان السافرية كانوا في عهد الانتداب البريطاني من طبقة واحدة وذات مستوى واحد، ليس بين غنيهم وفقيرهم فرق كبير، وتجمع بينهم أواصر القربى والنسب، ورغم انهم موزّعون على عدد من الحمائل (الدور)، إلا انهم تجمعوا في أربعة أرباع، لكل ربع منها مختار:
1. أبو زيد وأفخاذهم السوطري وعبد الواحد والقوادرة ودار يوسف، ومعهم في الربع دار عسكر وحمد والنوري وخزنة والبلة والمشني، ومختارهم محمد أحمد أبو زيد.
2. دار عوض ودار نوفل ودار الزبيدي ودار صوان، ومختارهم عطية رشيد عوض.
3. القدسة ومعهم في الربع المصاروة وفروعهم دار البنا وزايد وعزب والدميسي والقاحوش، ومختارهم محمد يحيى من القدسة.
4. المصالحة (مصلح) وراجحة والمحروق والشملتي، ومختارهم حسن راجحة.7
أما الباحث عباس نمر فذكر أن ما استطاع جمعه من أسماء الأسر والعائلات هو:
أبو زيد، زايد، البلة، عوض، مصلح (المصالحة)، نوفل، البنا، أبو عزب، عواد، السعدية، عطية، الزبيدي، القدسة، الشملتي، ريان، ناصر، المحروق، المسراطي، صوان، عبد النبي، سعد، حميدة، جاد، جودة، ياسين، شاكر، إصليح، بوادي، الدميسي، عسكر، شلعين، البسبس، المصري، المصاروة، راجحة، سطرية، مرعي، عبد الواحد، عقرش، سليمان، صالح، جبر، شحادة، بدر، جاد الله، حلبيا، مصطفى، حسن، إبراهيم، الحج، يوسف، الطوخي، قاحوش.8 ولم يذكر عائلة اليماني رغم سقوط شهداء من هذه العائلة التي سكنت في السافرية.9
الأراضي في السافرية
في سنة 883 هجرية/ 1478 ميلادية أوقف السلطان المملوكي قايتباي على جامعه بغزة وعلى مدرسته في القدس الشريف أوقافًا كثيرة. من هذه الأوقاف 15 قيراطًا من أراضي قرية السافرية. 9ب
في سنة 1924 نشب نزاع بين أهالي السافرية وأهالي قرية صرفند العمار على أراضي وقف سنان باشا الواقعة بين القريتين، وقد توجه أهالي السافرية إلى محكمة الأراضي طالبين إعادة 1916 دونمًا لهم، فعينت هذه المحكمة لجنة تحكيم لرسم الحدود. قررت لجنة التحكيم أن مساحة ألأراضي التي تخص قرية صرفند 13358 دونمًا، وأن مساحة الأراضي التي تخص السافرية 4093 دونمًا، وأن على أهالي صرفند إعادة 450 دونمًا فقط لأهالي السافرية. فرفض أهالي السافرية هذا الحل، واستأنفوا لدى محكمة الاستئناف في القدس، فجاء القرار ضدهم، فأرسلوا في شباط/ فبراير 1926 كتابًا لمجلس الملك في لندن يطلبون إعادة النظر في هذه القضية. يبدو أنهم حصلوا على مبتغاهم، فتكون مساحة أراضي السافرية 6009 دونمات. ناب عن أهل السافرية كل من: موسى حسين عوض، حسن حسين راجحة، محمد أحمد علي وعبد الواحد. وشارك في التحكيم الشيخ يعقوب.9ج
في 17 تشرين الثاني/ نوفمبر 1933، زار المندوب السامي ومندوبون عن وزارة المستعمرات قرية السافرية. ورد في البيان الذي ألقاه الأستاذ حسين عوض أمام المندوب أن السافرية تملك 8 آلاف دونم تقريبًا، فيما عدد سكان البلدة 2000 نسمة ونيّف، فيكون نصيب الشخص الواحد أربعة دونمات فقط في حين أن المندوب السامي نفسه قال في الاحتفال ذاته إن الشخص الواحد لا يستطيع العيش بأقل من عشرة دونمات. وقد ذكر حسين عوض أن سكان القرية مدينين بنحو 5 آلاف جنيه فلسطيني، وقد طالب باسم أهالي السافرية بوقف الهجرة اليهودية ومنع بيع الأراضي لليهود. وتعقيبًا على بيان أهالي السافرية، قال صاحب جريدة "فلسطين"، عيسى داوود العيسى، إن أهالي السافرية أحسن حالًا من أهالي القرى الأخرى.10
يقول مصطفى مراد الدباغ إن للسافرية أراض مساحتها 12842 دونمًا، منها 575 للطرق والوديان والسكة الحديدية، و3722 دونمًا تسربت لليهود.11
اعتمد السكان في معيتشتهم على زراعة الحمضيات بخاصة في الجهة الغربية والشرقية، وعلى زراعة الحبوب والسمسم، والبندورة في الجهة الشمالية حيث اعتبرت البلدة أكبر منتج للبندورة ولقبت بأم البندورة التي كانت تباع في أسواق يافا والرملة وتل أبيب.12
التعليم في السافرية
في العهد العثماني كان في السافرية كُتّاب يتعلم الصبية فيه القراءة والكتابة والقرآن الكريم. وقد بقي هذا الكتّاب مرحلة أولية تسبق الانتقال إلى المكتب وهو اسم المدرسة الابتدائية التي افتتحتها الدولة العثمانية في القرية. في سنة 1327 هجرية/ 1909 ميلادية كان يدير هذا المكتب الشيخ سعيد أفندي الخليل، كما يشير إلى ذلك أحد سجلات المحكمة الشرعية في يافا. 13
يبدو أن الكُتّاب كان في جامع القرية. يقول المختار هاشم راجحة: "أول من بدأ من المعلمين في السافرية شكيب الشرابي وكان معلمًا في المسجد (الجامع) وطعامه على حساب أهل البلد دوريًا بواسطة ناطور البلد..."، وكان الشرابي أفنديًا وليس شيخًا معممًا.. ومن بعده جاء محمد العنابي من عنابة اللد.. إلى أن جاء الإنكليز .14
في سنة 1920 استجاب القائمقام لطلب أهالي السافرية بافتتاح مدرسة رسمية للبنين في القرية. بدأت بمعلم واحد، ثم أخذت تتقدم حتى أصبحت سنة 1926 للصف الرابع الابتدائي في أربع غرف تتوسطها غرفة للمعلمين.15 في العام الدراسي 1945-1946 أصبحت ابتدائية كاملة حتى الصف السابع. بلغ عدد تلاميذ المدرسة في تلك السنة 348 طالبًا، يعلمهم 8 معلمين وتدفع القرية رواتب اثنين منهم، وللمدرسة مكتبة تضم عشرات الكتب، وأرض زراعية يستفاد منها في تعليم الزراعة العملية.16
من الذين أداروا هذه المدرسة كان الأستاذ أنيس مكي من قرية الجورة، وكان آخرهم الأستاذ عبد الجبار أحمد شهاب من عنبتا، الذي بقي في القرية حتى عام النكبة ورافق أهل القرية عند نزوحهم، وهو خريج كلية خضوري.
ومن الأساتذة الذين درسوا في هذه المدرسة نذكر:
1. أسعد عمرو من الخليل نائبًا للمدير
2. حازم اللبابيدي من غزة
3. جمال عنبتاوي من عنبتا
4. سعيد النجمي من يازور
5. فوزي طهبوب من الخليل
6. عبد الغفور أبو حاشية من سلمة17
في عام 1946 تأسست في السافرية مدرسة للبنات. بلغ عدد طالباتها 45 طالبة تعلمهن معلمة واحدة.18
كان الذين يريدون إكمال دراستهم يذهبون إلى اللد والرملة. من الجدير بالذكر أن ثلث رجال القرية كانوا يلمون بالقراءة والكتابة وهي نسبة عالية في تلك الأيام.19
فريق نادي السافرية الرياضي
ذكر خير الدين أبو الجبينن، رئيس الاتحاد الرياضي في يافا، أنه في الأربعينيات من القرن الماضي كان في السافرية فريق لكرة القدم من الدرجة الثانية اسمه فريق نادي السافرية الرياضي، وكذا كانت نواد في العباسية واليازور وبيت دجن وغيرها من قرى يافا20. وقد ذكر طاهر أديب القليوبي أن رئيس نادي السافرية الرياضي كان هاشم راجحة وهو شخصية جذابة ويتمتع بسمعة طيبة.21 والصور التي نشرها الباحث عارف زايد، ابن السافرية، تشير إلى أن فريق السافرية أقيم في سنة 1940 وبقي قائمًا حتى حلول النكبة الفلسطينية.22
السافرية في ثورة 1936-1939
في 20 نيسان/ أبريل 1936 أعلن العرب الإضراب العام مطالبين بوقف الهجرة اليهودية ومنع انتقال الأراضي لليهود وإنشاء حكومة وطنية. وكانت الأعمال العدائية بين اليهود والعرب قد بدأت من قبل، وسرعان ما اندلعت الثورة ضد سلطات الانتداب البريطاني. استمر الإضراب مدة ستة أشهر وتأججت الثورة المسلحة فشملت جميع المدن والقرى في فلسطين.23
في السافرية تشكل فصيل من الثوار يقوده محمد أبو الشيخ، ومعهم جماعة من اليمانيين وشخص يدعى موسى الأردني. جميع هؤلاء كانوا يتبعون لقائد المنطقة الوسطى المجاهد حسن سلامة، وهو من قولة في لواء اللد. قام هذا الفصيل مع ثوار اللد بعدة هجمات ضد الإنكليز، وبخاصة على القطارات المارة بين اللد ويافا مرورًا بالسافرية، حيث كانوا يتلفون خط سكة الحديد مرات عدة ابتداء من وضع الأسافين بين الفواصل ونزع أحد القضبان، وانتهاءً بوضع الألغام تحت القطارات، ولما أخذ الإنكليز يرسلون قاطرة استكشاف (تروللي) تسبق القطار كانوا يمطرونها بوابل الرصاص فتسرع وتنقلب.24
في 27 حزيران/ يونيو 1936 وقف قطار أمام قرية السافرية، ففتح حراسه النار على عليان البنا فأصابوه برجله، فلما هب ولداه محمد وحسني لمساعدته أطلقوا عليهما النار ونجيا بأعجوبة.26
منذ أواخر شهر تموز/ يوليو 1936 بدأت عمليات الثوار تتزايد ضد القطارات المارة بين اللد والسافرية، حيث استخدم الثوار القنابل اليدوية والألغام. ويبدو أن لدخول فوزي القاوقجي، إلى فلسطين تأثير في ذلك. في 3 أيلول/ سبتمبر 1936 خرجت عربة "تروللي" عسكرية عن الخط بين السافرية وبيت دجن بعد أن هاجمها الثوار وأمطروها وابلاً من الرصاص وقذفوها بعدة قنابل، فضاعف الحرس سرعة "التروللي"، وأخذ يطلق الرصاص من المدافع الرشاشة الموجودة فيها، ولما ابتعدت عن مكمن الثوار خرجت "التروللي" عن الخط بالنظر لسرعتها الزائدة، وأصيبت عجلاتها الأمامية بضرر بليغ، وقد حضرت إلى مكان الحادث قوة كبيرة من الجند والبوليس. 27 وقد جاء أحد أهالي السافرية إلى مقر صحيفة "الجامعة الإسلامية" في يافا، فذكر أن عربة "التروللي" العسكرية عندما مرت في قرية السافرية واصلت إطلاق النار من المدافع الرشاشة بكثرة على القرية بلا سبب، فأصاب الرصاص جدرانها ونوافذها وأزعج سكانها. 28 لم يمر سوى عدة أيام حتى شن الثوار ليلاً هجومًا شديدًا على مستعمرة ريشون ليتسيون (عيون قارة) استمر أكثر من ساعتين. 29
أخذت الأحداث تتسارع، ففي مساء 15 أيلول/ سبتمبر 1936 كانت القاطرة العسكرية تفحص الخط الحديدي بالقرب من السافرية ، فأطلق الثوار عليها الرصاص بكثرة هائلة. وقد رد الحرس بالمثل من مدافعهم الرشاشة، وبعد ربع ساعة سكت أزيز الرصاص. وفي 17 أيلول/ سبتمبر 1936 انفجر لغم تحت الخط الحديدي بين اليازور وبيت دجن عند الكيلو 8. وقد ذكرت صحيفة "الدفاع" أن الجسر الواقع عند الكيلو 8 نُسِفَ، وأن قاطرة الاستكشاف أنذرت القطار في الوقت المناسب. 30
من الجدير بالذكر أن الجسر المذكور قريب من السافرية التي تقع عند الكيلو 11 . في 16 أيلول/ سبتمبر 1936 نسف الثوار بالديناميت خزان ماء في مستعمرة ريشون ليتسيون (عيون قارة)، ثم أحرقوا ما حوله من الغرف الخشبية. وفي اليوم التالي، هاجموا مرة أخرى عيون قارة.31 ذكرت صحيفة "دافار" الصهيونية أن الثوار هاجموا مستعمرة ريشون ليتسيون في يوم الخميس 17 أيلول/ سبتمبر 1936 وليلة الجمعة.32 فلم تر سلطات الانتداب بدًا من القيام بعمل ضد أهالي قرية السافرية الذين ما انفكوا يقدمون الطعام والمأوى للثوار.
يورد المحامي حسن محمد عوض في كتابه عن السافرية القصة التالية: "انفجر اللغم الذي وضعه الثوار في منطقة بيادر السافرية في العربة التي كانت تسبق القطار(التروللي)، وكان عليها سبعة من الجنود الإنكليز المسلحين، وطارت جثثهم في الهواء عشرات الأمتار، ورأيت الحادث بنفسي من أحد كرومنا القريبة، وعدت فورًا للبلد لأجد المرحوم المختار محمد أحمد أبو زيد ينادي بأعلى صوته ويقول، موجهًا كلامه للنساء: اللي بتخاف على عرضها، وشرفها، تخرج من البلد إلى بيت دجن، وفعلًا فقد أُخليت بلدة السافرية كلها تقريبًا، وجاء الإنكليز بمصفحاتهم ومشاتهم وطائراتهم التي ظلت تحوم فوق البلد من الصبح حتى العصر، وبعد ذلك فقد قاموا بنسف عدد من البيوت، وكنا نشاهد عملية النسف فيها من بيت دجن". وفي الملاحظات ذكر أن البيوت التي نسفت كانت ثمانية منها بيت العبد أبو شمعة، بيت إبراهيم عسكر، وبيت مختار القدسة، خالد محمود القدسة، وتضرر بيت عبد الرحيم موسى عوض، بيت المختار محمد أحمد أبو زيد، وبيت محمد يعقوب يوسف أبو زيد وإخوانه.33
أما عيسى السفري في كتابه "فلسطين العربية بين الانتداب والصهيونية"، الصادر في يافا سنة 1937، فذكر أن الإنكليز نسفوا في السافرية بيتًا واحدًا.34 وذكرت صحيفة "اللواء" في عددها الصادر بتاريخ 23 أيلول/ سبتمبر 1936 أنه جرى بالأمس نسف بيوت عدّة في قرية السافرية، وذلك بعد أن حضرت قوة كبيرة من الجنود وطوقت القرية المذكورة وأجرت فيها عملية النسف.35
للبت في تاريخ وقوع هذه الحادثة وما جرى دعونا نقرأ رسالة الاحتجاج التي أرسلها أهالي السافرية إلى المندوب السامي البريطاني بواسطة قائمقام الرملة 36:
نحن سكان وأهالي قرية السافرية التابعة لقضاء يافا، نحتج بشدة على أعمال العنف التي أوقعتها السلطة بقريتنا صباح يوم الأحد الواقع في 20/9/1936، فقد حضرت للقرية قوة من الجند البريطاني تقدر بأربعمائة جندي مع مساعد اللواء المستر بولاك، وهذه القوة مزودة بكامل أسلحتها من بنادق ومدافع رشاشة وسيارات مصفحة مما أوقع الرعب في قلوب النساء والأطفال.
وفي الساعة العاشرة والنصف تجولت القوة في أنحاء القرية وجعلت تسرح فيها بلا رقيب، ثم وقع الاختيار على بيت عبد المحسن محمد شمعة لنسفه، وهو مكوّن من فرن عمومي للقرية ودار للسكن.
وفي الساعة الحادية عشرة والدقيقة العاشرة صباحًا سمعت الأبواق تنذر بإجراء عملية الهدم، فملأ الدخان ولبد جو القرية، وقد تأثرت ثمانية بيوت وأصبحت غير صالحة للسكن.
ولم تكتف السلطة بما وقع من نسف البيت المذكور وتخريب ما جاوره وإيقاع الرعب الشديد في قلوب النساء والأطفال بل فاجأتنا بأن أنذرت سكان اثنتي عشرة دارًا بلزوم نسف دورهم إذا وقع إطلاق عيارات نارية على حدود القرية، وبما أننا لا نعلم الغيب ولا نعرف الأفراد الذين يتجولون ليلاً من أي بلد كان، وليس لنا أمان على أنفسنا بمغادرة بيوتنا خوفًا من أفراد السلطة الذين يتجولون ليلًا، لهذا ليس بإمكاننا أن نأخذ على عاتقنا منع من يتجول في الليل من غير أهالي قريتنا، بل نعتقد كل الاعتقاد أن ما تلحقه السلطة بأفراد الشعب المسالم إنما يدل على الانتقام، وإذا كان الانتقام يحلو للحكومة بهدم بيوت ومساكن المسالمين العزل من السلاح فلتهدم السلطة جميع القرية، ونحن بدورنا نتخذ بدلها بيوت شعر نأوي إليها مع أولادنا بعد أن سئمنا من كل أمل في العدالة. وتفضلوا.... بقبول فائق الاحترام.
في 8 تشرين الأول/ نوفمبر ،1936 قام الثوار بحل براغ سكة الحديد وإطلاق النار على قطار محمل بالبضائع بين تل أبيب واللد. فذهبت قوة كبيرة من أفراد الجيش والبوليس إلى قرية السافرية وبعد تطويقها وتصويب المدافع الرشاشة إلى بيوتها، دخل الجند والبوليس بعض البيوت وفتشوها بدقة، ولما لم يعثروا على شيء ممنوع عادوا إلى يافا.37
وفي 11 تشرين الأول/ نوفمبر 1936 فيما كانت "تروللي" حرس الخط الحديدي بين محطتي تل أبيب واللد، أطلق الثوار عليها الرصاص بقرب السافرية فوقفت وأجاب الحرس على الرصاص بالمثل من المدافع الرشاشة، وقد دامت هذه المناوشة نصف ساعة ثم تابعت التروللي سيرها. في اليوم ذاته، هاجم الثوار سيارة عسكرية بين بيت دجن ومستعمرة ريشون ليتسيون، فلما جاءت قوة من البوليس إلى مكان الحادث وجدت عمودين من أعمدة الهواتف قد قطعا.38
في 20 تشرين الأول/ نوفمبر 1936 اضطر فوزي القاوقجي إلى مغادرة فلسطين، وذلك بسبب ضغط الجيش البريطاني الهائل ومحاصرته لقواته من كل جانب، وكان الملوك والأمراء العرب قد توجهوا بنداء إلى عرب فلسطين لوقف الإضراب العام بدءًا من صباح 12 تشرين الأول/ أكتوبر 1936، وبذلك توقفت الثورة في فلسطين. امتازت الثورة في تلك المرحلة بالتكاتف والتعاضد والوحدة بين جميع فئات الشعب والنقاء، إذ لم تشبها شائبة.39
في 26 أيلول/ سبتمبر ،1937 قُتل حاكم الجليل، أندروز، واندلعت الثورة من جديد، وعاد الثوار إلى مهاجمة القطارات وقطع خطوط الهواتف، وإطلاق الرصاص على الدوريات العسكرية. وصار تفتيش البيوت بدقة يحدث في السافرية يوميًا. في 19 تشرين الأول/ أكتوبر 1937 جرى تفتيش السافرية على إثر قطع أسلاك الهواتف، وأعلم حاكم اللواء وقائمقام الرملة اللذان حضرا إلى القرية الأهالي عن عزمهما أيجاد نقطة بوليس إضافية في السافرية، مؤلفة من خمسة أشخاص تكون نفقتهم على أهل القرية نفسها. 40
انغمس الشباب في الثورة، وحتى الصبية منهم، وفي ما يلي قصتان:
قصة الفتى هاشم مرعي
في يوم 16 تشرين الأول/ أكتوبر 1938، طوقت قوات بريطانية مغاور بيت دجن، وألقت القبض على مجموعة من الثوار العرب. من بين المعتقلين كان الفتى اليافع هاشم مرعي يوسف يونس من قرية السافرية وعمره 14 عامًا. وجهت له تهمة حيازة 55 رصاصة ذخيرة لبنادق تركية وألمانية الصنع، وقد اعترف المتهم بأنه وجدها في بيارة وكان ينوي تسليمها للشرطة. في 23 تشرين الثاني/ نوفمبر 1938 حكمت محكمة القدس العسكرية على هاشم بالموت شنقًا. في 28 تشرين الثاني/ نوفمبر 1938 صدق القائد العام للجيش البريطاني على الحكم ولكن خفضه إلى السجن المؤبد. وقد ذكر هذه الحادثة المحامي حسن محمد عوض، وقال إن عمر الفتى كان 15 عامًا، وأرسله الثوار لتعبئة 15 فشكة فارغة من جديد، نظرًا لقله الذخيرة. وقد بقي في السجن حتى أواخر عهد الانتداب، وعاش في عمّان ومات فيها.41
وقصة أخرى من قصص النضال:
في 13 كانون الأول/ ديسمبر 1938، حكمت المحكمة العسكرية في القدس بالإعدام على أحمد علي جابر (عمره 36 عامًا) وحسن علي عبد الله (عمره 38 عامًا) لحيازتهما على أسلحة نارية وإطلاقهما النار على الجيش. أما ياسين يونس ياسين، فحكم عليه بالسجن المؤبد لأن عمره دون جيل 18 عامًا، وكانت قد قبضت عليهم دورية بريطانية في قرية السافرية قضاء يافا يوم السابع من كانون الأول/ ديسمبر 1938.
وفي 21 كانون الأول/ ديسمبر 1938 21صدق القائد العام للجيش البريطاني على قرار الحكم الصادر ضد المذكورين أعلاه. وفي اليوم التالي، جرى تنفيذ حكم الإعدام فيهما في سجن القدس المركزي في الساعة الثامنة والتاسعة على التوالي.42
دافع عن الثلاثة المحامي حنا عطا الله. في دوسية هذا المحامي ورد بخط اليد أن أحمد علي جابر مصري الجنسية، وأن حسن علي عبد الله من الحجاز، وأن ياسين من السافرية، ولكن في الاستدعاء الذي قدمه بالإنكليزية ذكر أن ثلاثتهم من السافرية. يُرجح أن المصري والحجازي عاشا في السافرية ولكن لم يقبرا فيها.43
يقول المحامي حسن محمد عوض إن ياسين يونس ياسين شاب عمره 15 عامًا تقريبًا، وجد الإنكليز أثناء تطويق السافرية مسدسًا على مقربة منه، سقط من أحد الثوار عندما فاجأهم الإنكليز في ليلة مقمرة، ورغم إنكاره، فقد حكم عليه بالإعدام، ولأنه دون سن الرشد فقد استبدلت العقوبة بالأشغال الشاقة المؤبدة. ويقول ياسين نفسه إن اثنين من اليمانيين اشتبه بأن المسدس قد سقط منهما، وقعا في الأسر وشاهدهما بنفسه في معتقل صرفند، وقد حكما بالإعدام وفعلًا شنقا حتى الموت ضمن قافلة الفداء لفلسطين.44
كان أهالي السافرية من المؤيدين للمفتي الحاج أمين الحسيني وضد فخري النشاشيبي. في 26 تشرين الثاني/ نوفمبر 1938 أرسلوا برقية إلى وزارة المستعمرات بواسطة المندوب السامي، هذا نصها:
"نحن عموم أهالي قرية السافرية نستنكر بشدة مذكرة فخري النشاشيبي المأجورة، ولا نعتبره معبرًا إلا عن نفسه فقط. نعلن في ثبات وإيمان قوي تمسكنا بزعامة سماحة المفتي الأكبر الحاج أمين الحسيني، ونعتبره الرجل الوحيد الذي يتمتع بثقة البلاد جميعها، ولا نعترف بحق المفاوضة إلا لسماحة الرئيس الجليل وصحبه الكرام أعضاء اللجنة العربية العليا.
عن أهالي قرية السافرية - مختار أول محمد أحمد علي، مختار- محمد يحيى عبد الجواد، حسن حسين راجحة، محمد مصطفى حمد، عبد الله محمد علي".45
التهجير والكفاح
في عام 1939 خبت نار الثورة وذلك بعد أن استشهد القائد عبد الرحيم الحاج محمد، وجرى القبض على القائد يوسف سعيد أحمد أبو درة، واضطر القادة الآخرون إلى النزوح إلى الخارج. خلال فترة الحرب العالمية الثانية ساد الهدوء في جميع أرجاء فلسطين، وانصرف الناس في السافرية إلى أعمالهم في الزراعة. بعضهم عمل في شركة النافي للمواد الغذائية، وآخرون عملوا في معسكر صرفند. كان هذا المعسكر من أكبر معسكرات الجيش البريطاني في فلسطين.
في 29 تشرين الثاني/ نوفمبر ،1947 اتخذت هيئة الأمم المتحدة قرارًا بتقسيم فلسطين بين العرب واليهود. فرفض العرب هذا القرار وبدأت المناوشات بين سكان يافا وسكان تل أبيب، وسرعان ما اندلعت الحرب. وقد كان لاستشهاد القائد عبد القادر الحسيني في 8 نيسان/ أبريل 1948 ولمذبحة دير ياسين في اليوم التالي، الأثر الأكبر في إثارة الفزع والخوف لدى العرب، فراحوا يبحثون عن السلاح للدفاع عن أنفسهم وقراهم. كانت البندقية تباع بـ100 - 150 جنيه فلسطيني، لذا اضطر بعض من أهل السافرية إلى بيع حلي نسائهم. 46
في تلك الفترة كان فوج أجنادين في يافا بقيادة المقدم عادل نجم الدين، وهو عراقي من جيش الإنقاذ، ومدفعية عراقية جاءت بقيادة المقدم مهدي صالح العاني لنجدته. في 28 نيسان/ أبريل 1948 بدأت المدافع العراقية بدك تل أبيب، ولكنها توقفت فجأة بسبب تدخل الإنكليز الموجودين في معسكر صرفند. فانسحب الفوج العراقي مع مدافعه إلى اللد. تقدمت القوات اليهودية نحو سلمة والخيرية وساقية وكفر عانة ويازور فاحتلتها.47 قبل ذلك اليوم بيوم واحد، تدفق على السافرية سيل من النازحين، فاستضافهم أهلها وقدموا لهم الطعام، ولكن القوات اليهودية تقدمت نحو بيت دجن، فاضطروا إلى النزوح عن قريتهم. قسم منهم بقي في البيارات الواقعة شرقي البلدة ومعظمهم وصل إلى اللد. 48 قامت القوات البريطانية الموجودة في صرفند بإنذار القوات الصهيونية، فتوقفوا في بيت دجن ولم يدخلوا السافرية. أطلقت القوات الصهيونية على هذه العملية اسم عملية "حاميتس" (خمير الفصح)، وشاركت فيها قوات من لواء إلكسندروني ولواء جبعاتي ولواء كرياتي.49 كانت السافرية خالية من أهلها ومجاهديها، ما يفسر ملاحظة عارف العارف التي تشير إلى سقوط يازور والسافرية في ذلك اليوم.50
في 15 أيار/ مايو 1948 انسحب البريطانيون من معسكر صرفند وسلموه للعرب الذين كانوا تحت قيادة القائد حسن سلامة، غير أنهم أدخلوا من الباب الخلفي قوات صهيونية تابعة للواء كرياتي ولواء جبعاتي. لقد صبت القوات الصهيونية نيران رشاشاتها على المجاهدين الذين اضطروا إلى الانسحاب في ليل17 - 18 أيار/ مايو 1948. 51
كان دخول القوات الصهيونية إلى السافرية في 20 أيار/ مايو 1948، وقد نشرت هذا الخبر الصحف العبرية وتناقلته وكالات الأنباء. 52
من الجدير بالذكر أن مجاهدي السافرية شاركوا في احتلال معسكر تل لتفنسكي الذي أخلاه الإنكليز في ليل 14- 15 نيسان/ أبريل 1948، وسقط منهم شهداء في معركة الشرف.53
محاولة استعادة السافرية
في يوم الخميس 10 حزيران/ يونيو 1948 تم الاتفاق على الهدنة بين الطرفين، على أن تدخل حيز التنفيذ في اليوم التالي. كان كل طرف يسعى في الساعات الأخيرة إلى تحسين مواقعه العسكرية واحتلال ما يستطيع من القرى. تجمع 150-200 مناضل من أهالي السافرية والقرى الواقعة إلى شمالها وشنوا هجومًا على القوات الصهيونية الموجودة في السافرية، وقد نجحوا في فجر يوم الجمعة من تحرير ثلاثة أرباعها، بعد أن تعطل مدفع رشاش للقوات الصهيونية، لكنهم اضطروا للانسحاب بعد وصول المصفحات الصهيونية ودخول الهدنة حيز التنفيذ، وقد خسر المجاهدون في هجومهم هذا 18 شهيدًا و63 جريحًا. وكانت القيادة العربية في اللد قد وجهت المصفحات العربية إلى العباسية فتمكنوا من تحريرها، ولو خصصوا قسمًا من هذه المصفحات إلى جبهة السافرية لنجح المجاهدون في تحريرها.54
وهكذا بقي أهالي السافرية في اللد وما جاورها حتى سقوط المدينة بعد انتهاء الهدنة الأولى فنزحوا عنها مع آلاف النازحين.
شهداء السافرية
1. أحمد حسن اليماني: استشهد في 14/4/1948 في معركة معسكر تل لتفنسكي.
2. محمود حسين محمد علي عوض: استشهد في 15/4/1948 في معركة معسكر تل لتفنسكي. دفن في السافرية.
3. أحمد علي أمين أبو زيد: أصيب في ملجأ الرجاء في صرفند في شهر نيسان 1948، ومات بجراحه في 6/6/1948 ودفن في اللد.
4. حبيش اليماني: استشهد في معركة تل لتفنسكي ودفن في السافرية في 15/4/1948.
5. هاشم عليان المحروق: استشهد أثناء محاولة استعادة السافرية، ودفن في اللد في 11/6/1948.
6. يوسف العبد المحروق: استشهد أثناء محاولة استعادة السافرية ودفن في اللد في 11/6/1948.
7. عساف عبد الرحمن أبو أدهم: استشهد أثناء محاولة استعادة السافرية ودفن في اللد في 11/6/1948.
8. أحمد إسماعيل جابر مصلح: استشهد في اللد أثناء سقوطها في 11/7/1948.
9. صالح محيي الدين: استشهد أثناء وجوده في حقول السافرية بعد احتلالها ودفن في اللد.
10. إسماعيل ناصر: شيخ في السبعين، قتلته العصابات الصهيونية في بيارته، وهو أعزل مع ابنته المريضة بعد سقوط السافرية بأيام.
11. العبد داود أبو عزب: ثار به لغم عندما تسلل إلى السافرية عام 1949.
12. خمسة تسللوا إلى السافرية وماتوا مسمومين بعد عودتهم، وهم: عبد الله عبد العزيز الطوخي، عبد الله قاسم جازية، يوسف قاسم جازية، موسى محمود ذيب أبو زيد، محمد سليمان البنا. 55
المستوطنات على أراضي السافرية
في عام 1949 وصلت إلى قرية السافرية مجموعتان من المهاجرين اليهود:
الأولى: من مهاجري هنغاريا وتشيكوسلوفكيا. هذه المجموعة سكنت في بيوت العرب في القسم الغربي من القرية. سُميت بالسافرية ألِف.
الثانية: من مهاجري روسيا من حركة "حاباد" الدينية. هذه المجموعة سكنت في بيوت العرب في القسم الشرقي من القرية. سميت في البداية "شفرير" ومع مرور الوقت صارت تسمى بـ"كفار حاباد".
في عام 1951 انضم إلى المجموعة الأولى مهاجرون من يهود اليمن. فصارت تسمى "توحيلت".
على أراضي القرية أقيمت مستوطنة "تسفاريه"، ومستوطنة "أحيعيزر". فصارت أربع مستوطنات، ثم غلب عليها اسم "كفار حاباد"، بعد طرد المهاجرين اليمنيين.56
وما زالت بعض المباني العربية صامدة في القرية وبياراتها حتى يومنا هذا.
يعيش أهالي السافرية اليوم في قطاع غزة، ومخيم الوحدات وعمّان، حيث توجد لهم فيها رابطة والعراق وسورية ولبنان والبحرين والكويت والسعودية، وغيرها من بقاع الأرض.
تعليقات
إرسال تعليق
اكتب تعليقك...