في يومنا هذا، تستخدم كلمة "رهيب" لوصف أي شيء من وجبة سيئة إلى كارثة طبيعية أسفرت عن مقتل ملايين الأشخاص.
لكن في القرن السادس عشر كانت لقبا منح للحاكم الروسي إيفان الرابع، وعنت تحديدا "مهيب" و"قوي" و"عظيم"، بحسب موقع "سكاي هيستوري" البريطاني.
لكن إذا أمعنا النظر في حكم إيفان الرابع، ربما لن يكون وصف "سيء للغاية" بعيدا عن الحقيقة
لذا ما الذي جعل إيفان رهيبا للغاية؟
طفولة بائسة
غرست بذور الإنسان المخيف الذي سيصبح عليه إيفان خلال طفولته البائسة.
وتوفى والده، فاسيلي أمير موسكو، عندما كان إيفان بعمر ثلاثة أعوام، وتوفت والدته عندما بلغ الثمانية.
وأصبح الأمير الصغير موضوع الصراع على السلطة بين العديد من أفراد طبقة النبلاء، لاسيما عائلتي شويسكي وبيليسكي القويتين.
وبينما انزلقت البلاد في حالة فوضى خطيرة من القتل والتمرد، لم يلقى إيفان وشقيقه الأبكم والأصم معاملة أفضل من معاملة المتشردين.
وكانت هناك أوقات غطى فيها إيفان وشقيقه جسدهما بملابس بالية وتركا على حافة الجوع.
وأشارت "سكاي هيستوري" إلى أن الإهمال والمعاملة ككرة قدم سياسية جعلت إيفان لا يثق في طبقة النبلاء تحولت إلى كراهية عمياء مع تقدمه في السن، حتى أنه عندما أصبح قيصرا، ارتدت عدم ثقته على عائلات النبلاء بالطريقة الأكثر إثارة.
وبما أنه كان غير قادر على التنفيس عن غضبه من معذبيه، فعل ذلك في الحيوانات، حيث نتف ريش الطيور الحية وألقى الكلاب والقطط من النوافذ.
وعندما بلغ عمر 13 عاما، كشر إيفان أخيرا عن أنيابه، بحلول هذا الوقت كانت عائلة شويسكي الحكام الفعليين لروسيا بعدما خرجوا منتصري من صراعهم مع بيليسكي.
ومع ذلك، لم يحسبوا حسابا للصبي الذي تجاهلوه وأساءوا معاملته لسنوات طويلة.
وخلال وليمة أقيمت عام 1453، اتهم إيفان أقوى شخصيات عائلية شويسكي، الأمير أندريه، بسوء إدارة البلاد.
ويقول البعض إن أندريه سيء الحظ مزقته الكلاب الجائعة إربا، غير أن القصة ذات المصداقية تقول إن سجانيه ضربوه حتى الموت.
ونقلت السلطة كاملة إلى إيفان في عيد ميلاده السادس عشر.
وبعد أسبوعين، تزوج زوجته الأولى، أناستاسيا. ولم يكن هناك شيء رهيب محدد للسنوات الأولى من حكم إيفان.
بل في الواقع، كانت فترة السلام والازدهار؛ حيث أدخل إصلاحات تضمنت تحديث قانون العقوبات الذي أدخله جده، وإنشاء جيش نظامي، وإدخال الحكم الذاتي الإقليمي.
كما أدخل المطابع الأولى إلى روسيا، وأمر بتشييد كاتدرائية القديس باسيل بعد احتلال لمنطقة تارتار في كازان.
التحول لطاغية
لكن تحول إيفان من حاكم عاقل إلى طاغية كامل بسبب حدثين وقعا في 1558 و1560؛ كان الأول خيانة صديقه الأمير كوربسكي، الذي انشق إلى الليتوانيين خلال محاولة إيفان المشؤومة لغزو ليفونيا بمنطقة البلطيق عام 1558.
وتولى كوربسكي قيادة الجيش الليتواني، إلى جانب قوات من بولندا والسويد، ألحق بروسيا هزيمة تركت إيفان مستشاط غضبا وأكثر اقتناعا عن أي وقت مضى بأن النبلاء يحاولون النيل منه.
أما الحادث الثاني كان وفاة زوجته الحبيبة أناستاسيا عام 1560، حيث كان إيفان متأكدا أن أعدائه سمموا زوجته.
وفي حين لم يمكن العثور على دليل حينها، كشف فحص أجري بالقرن العشرين على عظمها عن مستويات مرتفعة على نحو غير معتاد من الزئبق، مما يشير إلى الملك الشاب كان على صواب ولو لمرة واحدة.
وكان رد فعل إيفان الأول على وفاة زوجته وخيانة صديقه نقل نفسه من موسكو إلى أليكساندروف، مدينة تقع على بعد 120 كيلومترا من شمال شرق العاصمة الروسية.
وهنا، كتب خطابين يشير فيهما إلى نيته التنازل عن العرش.
وحاول مجلس النبلاء ورجال الدين الحكم أثناء غيابه، لكن عندما استحال ذلك، أرسلوا مبعوثا يطلب من إيفان تغيير رأيه.
الأوبريشنيك
ولبى الطلب، بشرط منحه حق السيطرة على أراضي من خانوه وإعدام كل شخص شك في خيانته له، ووافق المجلس ورجال الدين اليائسين على طلبات إيفان، لكنه كان خطأ مكلف.
وعاد إيفان إلى موسكو، وشرع في تقسيم البلاد إلى منطقتين إداريتين، إحداهما يحكمها النبلاء وآخرون، والأخرى المسماة "أوبريشنينا" سيحكمها إيفان نفسه بالطريقة التي يراها مناسبة.
واتضح أن ذلك سيتضمن تعذيب وإعدام الغالبية العظمى من خصومه السياسيين وتقريبا أي شخص يعترض طريقه، ولحراسة أرضه، أنشأ الـ"الأوبريشنيك".
وكان "الأوبريشنيك"، الذين يرتدون جميعهم ملابس سوداء، هم الحرس الشخصي لإيفان وفارضي الأمر بالقوة الذين جابوا المناطق الجديدة تنفيذا لأوامر القيصر، كما تمتعوا بسلطة تامة لتعذيب وقتل أي شخص يشتبه في خيانته.
وكان إيفان مقتنعا بأن قادة المدينة، ورجال الدين، وأبرز المواطنين يتآمرون ضده، لذا أمر بهجوم على المدينة عام 1570.
وألقي القبض على الكهنة والرهبان وضربوا حتى الموت، بينما نهبت كنائسهم وأديرتهم، كما تم تعذيب كبار التجار والمسؤولين والنبلاء وأعدموا، وحتى أن كثيرين حرقوا أحياء بمحارق أنشئت خصيصا لهم.
قتل العائلة
وتسبب إثارة إيفان المستمرة للحرب وترويعه لشعبه وهجومه على رجال الدين والنبلاء والطبقة المتوسطة وتعذيب وإعدام أي شخص يعتقد أنه ضده في انهيار الاقتصاد الروسي، ولم تتحسن الأوضاع مع تقدمه في السن وتدهور صحته العقلية أكثر.
وكانت أحد آخر الأعمال الوحشية في عهده عام 1581، عند مواجهة زوجة ابنه الحامل، وضربها بشدة لدرجة إجهاض طفلها.
ولدى سماعه أنباء فقدان ابنه الذي لم يكن قد ولد بعد، واجه الابن الثاني لإيفان والده، الذي دائما ما كان يحمل هراوة يستخدمها في ضرب أي شخص يستاء منه، ليضرب ابنه على رأسه، ضربة من شدتها أسقطته أرضا وتوفى بعدها بعدة أيام.
فلم يكن أي أحد في مأمن في "إيفان الرهيب"، ولا حتى عائلته نفسها.
وتوفى إيفان جراء سكتة أثناء لعبه الشطرنج مع أحد أصدقائه المقربين عام 1584 عن عمر 53 عاما، وانتقلت مملكته لابنه الأوسط، فيودور، الذي توفى عام 1598، لتنزلق روسيا في فترة من الفوضى أصبحت تعرف بـ"زمن الاضطرابات".
تعليقات
إرسال تعليق
اكتب تعليقك...